بمناسبة حلول العام 1404 هـ.ش. الذي يصادف عيد النوروز، وجّه الإمام الخامنئي بتاريخ 20/03/2025 نداءً إلى الشعب الإيراني. وتمنّى سماحته أن تشمل بركات ليالي القدر وعنايات أمير المؤمنين (ع) حال جميع الذين يبدأ عامهم الجديد بـ«النوروز»، معلنًا أن شعار العام الجديد هو «الاستثمار من أجل الإنتاج». وأكّد سماحته على وجوب تلاحم الأمّة الإسلاميّة في وجه جرائم الكيان الصهيوني، وأنّ معاودة الكيان الصهيوني الهجوم على غزّة جريمة كبيرة جدًّا ومفجعة، وهي تتمّ بضوء أخضر من أمريكا.
وفيما يلي نداء قائد الثورة الإسلاميّة الإمام الخامنئي بمناسبة حلول العام 1404 هجري شمسي:
بسم الله الرّحمن الرّحيم
يا مُقلّبَ القلوبِ والأبصار، يا مُدبِّرَ اللّيلِ والنّهار، يا مُحوّلَ الحَولِ والأحوال، حَوّل حالَنا إلى أحسنِ الحال.
تتزامن بداية العام الجديد مع ليالي القدر وأيام استشهاد أمير المؤمنين (صلوات الله وسلامه عليه). نأمل أن تشمل بركات هذه الليالي وعنايات مولى المتقين (عليه الصّلاة والسّلام) على مدى العام، حال أهلنا الأعزّاء، وشعبنا، وبلدنا وجميع الذين يبدأ عامهم الجديد بـ«النوروز».
كان العام 1403 ه. ش. عامًا مليئًا بالأحداث. إنّ الأحداث التي يتوالى وقوعها في هذا العام، تشبه أحداث العام 1360 ه. ش. التي حملت إلى أهلنا الأعزّاء مشقّاتٍ ومصاعب. في بدايات العام، استُشهد رئيس الجمهوريّة، محبوب الشعب الإيراني، المرحوم السيد رئيسي (رحمة الله عليه). قبل ذلك، استُشهد عددٌ من مستشارينا في دمشق، بعد ذلك وقعت أحداثٌ مختلفة في طهران ثمّ في لبنان، وفقدَ الشعب الإيراني والأمّة الإسلاميّة شخصيات ذوي مكانة. كانت هذه أحداثًا مريرة قد وقعت. إضافة إلى هذا، ضغطت المشكلات الاقتصاديّة على الناس طوال العام، وخاصّة في الشطر الثاني منه، وتسببت صعوبات المعيشة بمعاناة الناس. سادت هذه المصاعب العام كله، لكن في المقابل، برزت ظاهرة عظيمة ومذهلة، وهي إبراز قوّة الإرادة لدى الشعب الإيراني والروحيّة المعنويّة لديه، واتحاده واستعداداته ذات المستوى العالي. بدايةً، إزاء حادثة من قبيل فقد رئيس الجمهوريّة، والتشييع العظيم الذي سطّره الناس، والشعارات التي رددوها، والروحيّة العالية التي أبدوها، وعلى الرغم من هول هذه المصيبة، فقد عجزت عن إشعار الشعب الإيراني بالضعف، الذي تمكّن بسرعة من إجراء الانتخابات ضمن المهلة القانونيّة المحددة، وانتخاب رئيس الجمهوريّة الجديد، وتشكيل الحكومة، وإخراج العمل الإداري في البلاد من حالة الفراغ. هذه الأمور بالغة الأهميّة، وتكشف عن الروحيّة العالية والقدرات العظيمة والقوّة المعنويّة لدى الشعب الإيراني، وهي تستوجب شكر الله عليها؛ إضافة إلى هذه الأمور، فإنّ أحداث الأشهر الأخيرة، التي أصابت عددًا كبيرًا من إخوتنا في لبنان، إخوتنا في الدين وأشقائنا اللبنانيّين، استطاع الشعب الإيراني مدّ يد العون لهم برحابة صدر. إنّ ما حدث في هذا المجال، أي سيل المساعدات الشعبيّة بنحوٍ عجيب إلى إخوتهم اللبنانيّين والفلسطينيّين، لهو من الأحداث الخالدة التي لن تُنسى في تاريخ بلدنا، فالذهب الذي آثرت به سيداتنا ونساؤنا بسخاء وقدّمنه في هذا السبيل، وكذلك المساعدات التي قدّمها أهلنا ورجالنا، كلّها أمور مهمّة؛ إنها تثبت قوّة الإرادة لدى الشعب وعزمه الراسخ. هذه الروحيّة، وهذا الحضور، وهذا الاستعداد، وهذه القوّة المعنويّة، هي ذخرٌ لمستقبل البلاد وديمومة حياة إيراننا العزيزة. سوف تستفيد البلاد من هذا الذخر الاستفادة القصوى، إن شاء الله، وسيُواصل الله المتعالي أيضًا تفضّلاته على هذا الشعب.
طرحنا في العام المنصرم شعار «الطفرة الإنتاجيّة بمشاركة شعبيّة»، وكان ضروريًّا للبلاد، بل كان مصيريًّا بمعنى من المعاني. حالت مختلف الأحداث في العام 1403 ه. ش. دون تحقّق هذا الشعار بالمعنى الحقيقي للكلمة. طبعًا، بُذلت جهودٌ جيّدة، واستطاعت الحكومة، والناس، والقطاع الخاص، والمستثمرون، وروّاد الأعمال، استطاعوا إنجاز أعمال جيّدة. لكن ما تحقّق تفصله مسافة عمّا كان يُنتظر. لذا، فإنّ قضيّتنا الأساسيّة هذا العام أيضًا هي قضيّة الاقتصاد. ما سأطرحه هذا العام، وهو المنتظر من الحكومة الموقّرة والمسؤولين المحترمين وأهلنا الأعزّاء، هو مجدّدًا قضيّة اقتصاديّة؛ قضيتنا الاقتصاديّة ستكون أيضًا شعار هذا العام، وهي مرتبطة بالاستثمار في الاقتصاد، واحدة من القضايا المهمّة للاقتصاد في البلاد، هي الاستثمارات الإنتاجيّة. يحقّق الإنتاج طفرةً عندما يتمّ الاستثمار. طبعًا، يجب أن يجري الاستثمار من قِبل الناس بنحو أساسي، وأن تخطّط الحكومة لمختلف أساليبه. لكن، عندما لا يكون لدى الناس دافع أو قدرة على الاستثمار، فلا بدّ للحكومة من أن تخوض الميدان أيضًا، لا تحت عنوان التنافس مع الناس، بل كونها بديلًا لهم، فحيثما لا يدخل الناس، فلتدخل الحكومة الميدان وتستثمر. على أيّ حال، الاستثمار في الإنتاج هو من القضايا الضروريّة لاقتصاد البلاد ومن أجل معالجة مشكلة معيشة أبناء الشعب. إنّ تحسين معيشة الناس يحتاج إلى التخطيط، لكن هذا التخطيط ليس ممكنًا من دون مقدّمات من هذا القبيل. ينبغي حتمًا أن تأخذ الحكومة والناس أيضًا الاستثمار من أجل الإنتاج على محمل الجدّ وأن يتابعوه بعزم ودوافع كثيرة. إنّ مَهمّة الحكومة هي توفير الأرضيّات، وإزالة موانع الإنتاج، ومَهمّة الناس هي أن يتمكّنوا من توظيف رؤوس أموالهم الصغيرة والكبيرة في طريق الإنتاج. إذا جرى توظيف رأس المال في طريق الإنتاج، فإنّه لن يتّجه نحو أعمالٍ مضرّة من قبيل شراء الذهب، وشراء العملات الصعبة وما شابه. لن يُقدم الناس على الأعمال المضرّة بعد ذلك. يمكن للمصرف المركزي أن يؤدّي دورًا في هذا المجال، كما يمكن للحكومة أيضًا صنع أدوار مؤثّرة كثيرة. عليه، فإنّ شعار العام هو «الاستثمار من أجل الإنتاج» وسوف يؤدي، إن شاء الله، إلى انفراجة في معيشة الناس، كما إنّ تخطيط الحكومة مع مشاركة الناس جنبًا إلى جنب، سوف يعالج المشكلة، إن شاء الله.
أودّ أن أشير أيضًا إلى هذه الأحداث التي وقعت في الأيام القليلة الأخيرة. إنّ معاودة الكيان الصهيوني الغاصب شنّ الهجوم على غزّة هي جريمة كبيرة جدًّا ومُفجعة. يجب على الأمّة الإسلاميّة أن تقف متلاحمة في وجه ذلك. عليهم أن يضعوا نزاعاتهم في شتّى القضايا جانبًا، فهذه القضيّة هي قضيّة الأمّة الإسلاميّة. بالإضافة إلى هذا، ينبغي على جميع أحرار العالم، وفي أمريكا نفسها، وفي الدول الغربيّة والأوروبيّة وسائر الدول، أن يواجهوا بحزم هذه الخطوة الخائنة والمفجعة التي يرتكبها هؤلاء. يُقتَل الأطفال مجدّدًا، وتُدمّر البيوت، ويُهجَّر الناس، وينبغي على الناس أن يوقفوا هذه الفاجعة. طبعًا، أمريكا شريكة في المسؤوليّة إزاء هذه الفاجعة. أصحاب الآراء السياسية في العالم، توصّلوا جميعًا إلى أنّ هذه الخطوة حصلت بإشارة من أمريكا، أو على الأقل بموافقتها وبضوء أخضر منها. لذلك، إنّ أمريكا أيضًا شريكةٌ في هذه الجريمة. كذلك هي الحال بالنسبة إلى أحداث اليمن أيضًا، إذْ إنّ العدوان على الشعب اليمني والمدنيّين اليمنيّين، هو أيضًا جريمة ينبغي التصدّي لها حتمًا.
نأمل أن يكون الله المتعالي قد قدّر في هذا العام الجديد الخير والصلاح والنصر للأمّة الإسلاميّة، وأن يتمكّن الشعب الإيراني من بدء هذا العام، الذي يبدأ الآن، والمضي فيه حتى نهايته بسعادة، ورضا، واتحاد تام، ونجاح، إن شاء الله. أرجو أن يكون القلب المقدّس لصاحب العصر (أرواحنا فداه) والروح المطهّرة للإمام [الخميني] الجليل (قده) والأرواح الطيّبة للشهداء راضية عنا ومسرورة.
والسّلامُ عليكم ورحمة الله وبركاته